فصل: عِلّةُ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.هُوَ الشّاهِدُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}:

قَالَ حُميد بْن زَنْجُوَيْهِ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيّوبَ بْن خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللّهَ فِيهَا بِخَيْرٍ إلّا اسْتَجَابَ لَهُ أَوْ يَسْتَعِيذُهُ مِنْ شَرّ إلّا أَعَاذَهُ مِنْهُ وَرَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ رَوْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ. وَفِي مُعْجَمِ الطّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيّاشٍ حَدّثَنِي أَبِي حَدّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زَرْعَةَ عَنْ شُريح بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَخَرَهُ اللّهُ لَنَا وَصَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. أَعْلَمُ- أَنّهُ مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدّثْنَا شُعْبَةُ سَمِعْت عَلِيّ بْنَ زَيْدٍ وَيُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ يُحَدّثَانِ عَنْ عَمّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمّا عَلِيّ بْنُ زَيْدٍ فَرَفَعَهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمّا يُونُسُ فَلَمْ يَعْدُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عُرْفَةَ وَالْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
الثّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي تَفْزَعُ مِنْهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا الْإِنْسَ وَالْجِنّ فَرَوَى أَبُو الْجَوّابِ عَنْ عَمّارِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ اجْتَمَعَ كَعْبٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللّهَ فِيهَا خَيْرَ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ فَقَالَ كَعْبٌ: أَلَا أُحَدّثُكُمْ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إنّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَزِعَتْ لَهُ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْخَلَائِقُ كُلّهَا إلّا ابْنَ آدَمَ وَالشّيَاطِينَ وَحَفّتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَيَكْتُبُونَ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَمَنْ جَاءَ بَعْدُ جَاءَ لِحَقّ اللّهِ وَلِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ وَيَحِقّ عَلَى كُلّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ كَاغْتِسَالِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالصّدَقَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الصّدَقَةِ فِي سَائِرِ الْأَيّامِ وَلَمْ تَطْلُعْ الشّمْسُ وَلَمْ تَغْرُبْ عَلَى يَوْمٍ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ. قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذَا حَدِيثُ كَعْبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَا أَرَى مَنْ كَانَ لِأَهْلِهِ طِيبٌ أَنْ يَمَسّ مِنْهُ يَوْمئِذٍ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَطْلُعُ الشّمْسُ وَلَا تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا مِنْ دَابّةٍ إلّا وَهِيَ تَفْزَعُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إلّا هَذَيْنِ الثّقَلَيْنِ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْسِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَذَلِكَ أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي تَقُومُ فِيهِ السّاعَةُ وَيُطْوَى الْعَالَمُ وَتَخْرَبُ فِيهِ الدّنْيَا وَيُبْعَثُ فِيهِ النّاسُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ.
التّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي ادّخَرَهُ اللّهُ لِهَذِهِ الْأُمّةِ وَأَضَلّ عَنْهُ أَهْلَ الْكِتَابِ قَبْلَهُمْ كَمَا فَيَ الصّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَا طَلَعَتْ الشّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ خَيْرٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَدَانَا اللّهُ لَهُ وَضَلّ النّاسَ عَنْهُ فَالنّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ هُوَ لَنَا وَلِلْيَهُودِ يَوْمُ السّبْتِ وَلِلنّصَارَى يَوْمُ الْأَحَد وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَخَرَهُ اللّهُ لَنَا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ السّامُ عَلَيْك قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْكَ. قَالَتْ فَهَمِمْتُ أَنْ أَتَكَلّمَ قَالَتْ ثُمّ دَخَلَ الثّانِيَة فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْك قَالَتْ فَهَمَمْتُ أَنْ أَتَكَلّمَ ثُمّ دَخَلَ الثّالِثَةَ فَقَالَ السّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ فَقُلْتُ بَلْ السّامُ عَلَيْكُمْ وَغَضَبُ اللّهِ إخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَتُحَيّونَ رَسُولَ اللّهِ بِمَا لَمْ يُحَيّهِ بِهِ اللّهُ عَزّ وَجَلّ. قَالَتْ فَنَظَرَ إلَيّ فَقَالَ: مَهْ إنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْفُحْشَ وَلَا التّفَحّشَ قَالُوا قَوْلًا فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَضُرّنَا شَيْئًا وَلَزِمَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إنّهُمْ لَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى الْجُمُعَةِ الّتِي هَدَانَا اللّهُ لَهَا وَضَلّوا عَنْهَا وَعَلَى الْقِبْلَةِ الّتِي هَدَانَا اللّهُ لَهَا وَضَلّوا عَنْهَا وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الّذِي فَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللّهُ لَهُ فَالنّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنّصَارَى بَعْدَ غَدٍ وَفِي بَيْدَ لُغَتَانِ بِالْبَاءِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ وَمَيْدَ بِالْمِيمِ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ. أَشْهَرُ مَعْنَيَيْهَا وَالثّانِي: بِمَعْنَى عَلَى وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ شَاهِدًا لَه:
عَمْدًا فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنّي ** إخَالُ لَوْ هَلَكْتُ لَمْ تَرِنّي

تَرِنّي: تَفْعَلِي مِنْ الرّنِينِ.
الثّلَاثُونَ أَنّهُ خِيرَةُ اللّهِ مِنْ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ كَمَا أَنّ شَهْرَ رَمَضَانَ خِيرَتُهُ مِنْ شُهُورِ الْعَامِ وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ خِيرَتُهُ مِنْ اللّيَالِيِ وَمَكّةُ خِيرَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ وَمُحَمّدٌ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ. قَالَ آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ: حَدّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النّجُودِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ. قَالَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ اخْتَارَ الشّهُورَ وَاخْتَارَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَاخْتَارَ الْأَيّامَ وَاخْتَارَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاخْتَارَ اللّيَالِيَ وَاخْتَارَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَاخْتَارَ السّاعَاتِ وَاخْتَارَ سَاعَةَ الصّلَاةِ وَالْجُمْعَةُ تُكَفّرُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَتَزِيدُ ثَلَاثًا وَرَمَضَانُ يُكَفّرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ وَالْحَجّ يُكَفّرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةُ تُكَفّرُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ وَيَمُوتُ الرّجُلُ بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ حَسَنَةٍ قَضَاهَا وَحَسَنَةٍ يَنْتَظِرُهَا يَعْنِي صَلَاتَيْنِ وَتُصَفّدُ الشّيَاطِينُ فِي رَمَضَانَ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النّارِ وَتُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنّةِ وَيُقَالُ فِيهِ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمّ. رَمَضَان أَجْمَع وَمَا مِنْ لَيَالٍ أَحَبّ إلَى اللّه الْعَمَلُ فِيهِنّ مِنْ لَيَالِي الْعَشْر.
الْحَادِيَةُ وَالثّلَاثُونَ إنّ الْمَوْتَى تَدْنُو أَرْوَاحُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَتُوَافِيهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَعْرِفُونَ زُوّارَهُمْ وَمَنْ يَمُرّ بِهِمْ وَيُسَلّمُ عَلَيْهِمْ وَيَلْقَاهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيّامِ فَهُوَ يَوْمٌ تَلْتَقِي فِيهِ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ فَإِذَا قَامَتْ فِيهِ السّاعَةُ الْتَقَى الْأَوّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَأَهْلُ الْأَرْضِ وَأَهْلُ السّمَاءِ وَالرّبّ وَالْعَبْدُ وَالْعَامِلُ وَعَمَلُهُ وَالْمَظْلُومُ وَظَالِمُهُ وَالشّمْسُ وَالْقَمَرُ وَلَمْ تَلْتَقِيَا قَبْلَ ذَلِكَ قَطّ وَهُوَ يَوْمُ الْجَمْعِ وَاللّقَاءِ وَلِهَذَا أَكْثَرَ مِنْ الْتِقَائِهِمْ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ يَوْمُ التّلَاق. قَالَ أَبُو التّيّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُميدٍ: كَانَ مُطَرّفُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يُبَادِرُ فَيَدْخُلُ كُلّ جُمُعَةٍ فَأَدْلَجَ حَتّى إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَقَابِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ فَرَأَيْت صَاحِبَ كُلّ قَبْرٍ جَالِسًا عَلَى قَبْرِهِ فَقَالُوا: هَذَا مُطَرّفٌ يَأْتِي الْجُمُعَةَ قَالَ فَقُلْت لَهُمْ وَتَعْلَمُونَ عِنْدَكُمْ الْجُمُعَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ وَنَعْلَمُ مَا تَقُولُ فِيهِ الطّيْرُ قُلْت: وَمَا تَقُولُ فِيهِ الطّيْرُ؟ قَالُوا: تَقُولُ رَبّ سَلّمْ سَلّمْ يَوْمٌ صَالِحٌ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَنَامَاتِ وَغَيْرِهِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيّ قَالَ رَأَيْت عَاصِمًا الْجَحْدَرِيّ فِي مَنَامِي بَعْدَ مَوْتِهِ لِسَنَتَيْنِ فَقُلْتُ أَلَيْسَ قَدْ مِتّ؟ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا وَاَللّهِ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ أَنَا وَنَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِي نَجْتَمِعُ كُلّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ وَصَبِيحَتِهَا إلَى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُزَنِيّ فَنَتَلَقّى أَخْبَارَكُمْ. قُلْت: أَجْسَامُكُمْ أَمْ أَرْوَاحُكُمْ؟ قَالَ هَيْهَاتَ بَلِيَتْ الْأَجْسَامُ وَإِنّمَا تَتَلَاقَى الْأَرْوَاحُ قَالَ قُلْتُ فَهَلْ تَعْلَمُونَ بِزِيَارَتِنَا لَكُمْ؟ قَالَ نَعْلَمُ بِهَا عَشِيّةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ كُلّهُ وَلَيْلَةَ السّبْتِ إلَى طُلُوعِ الشّمْسِ. قَالَ قُلْتُ فَكَيْفَ ذَلِكَ دُونَ الْأَيّامِ كُلّهَا؟ قَالَ لِفَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعَظْمَتِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا أَيْضًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ وَاسِعٍ أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ كُلّ غَدَاةِ سَبْتٍ حَتّى يَأْتِيَ الْجَبّانَةَ فَيَقِفُ عَلَى الْقُبُورِ فَيُسَلّمُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُو لَهُمْ ثُمّ يَنْصَرِفُ. فَقِيلَ لَهُ لَوْ صَيّرْت هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. قَالَ بَلَغَنِي أَنّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ. وَذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ الضّحّاكِ أَنّهُ قَالَ مَنْ زَارَ قَبْرًا يَوْمَ السّبْتِ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ عَلِمَ الْمَيّتُ بِزِيَارَتِهِ. فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ لِمَكَانِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
الثّانِيَةُ وَالثّلَاثُونَ أَنّهُ يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصّوْمِ هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ صِيَامُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ النّهْيِ عَنْ أَنْ يُفْرَدَ ثُمّ قَالَ إلّا أَنْ يَكُونَ فِي صِيَامٍ كَانَ يَصُومُهُ وَأَمّا أَنْ يُفْرَدَ فَلَا. قُلْتُ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَوَقَعَ فِطْرُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَصَوْمُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِطْرُهُ يَوْمَ السّبْتِ فَصَارَ الْجُمُعَةُ مُفْرَدًا؟ قَالَ هَذَا إلّا أَنْ يَتَعَمّدَ صَوْمَهُ خَاصّةً إنّمَا كُرِهَ أَنْ يَتَعَمّدَ الْجُمُعَةَ. وَأَبَاحَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ صَوْمَهُ كَسَائِرِ الْأَيّامِ قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرّاهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ مِنْ كُلّ شَهْرٍ وَقَالَ قَلّمَا رَأَيْته مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ قَالَ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَطّ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَى ابْنُ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَيُوَاظِبُ عَلَيْهِ. وَأَمّا الّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فَيَقُولُونَ إنّهُ مُحَمّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَقِيلَ: صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ. وَرَوَى الدّرَاوَرْدِيّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جُشَمَ أَنّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ عَشَرَةُ أَيّامٍ غُرَرٌ زُهْرٌ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ لَا يُشَاكِلُهُنّ أَيّامُ الدّنْيَا وَالْأَصْلُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنّهُ عَمَلٌ بَرّ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ إلّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ. قُلْتُ قَدْ صَحّ الْمُعَارِضُ صِحّةً لَا مَطْعَنَ فِيهَا الْبَتّةَ فَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبّادٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا: أَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ نَعَمْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبّادٍ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: أَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ نَعَمْ وَرَبّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَا يَصُومَنّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ وَاللّفْظُ لِلْبُخَارِيّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا تَخُصّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِيِ وَلَا تَخُصّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَيّامِ إلّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ جُوَيْرِيَة بِنْتِ الْحَارِثِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ لَا. قَالَ فَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ لَا. قَالَ فَأَفْطِرِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَه وَفِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا عَنْ جُنادة الْأَزْدِيّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الْأَزْدِ أَنَا ثَامِنُهُمْ وَهُوَ يَتَغَدّى فَقَالَ هَلُمّوا إلَى الْغَدَاءِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا صِيَامٌ. فَقَالَ أَصُمْتُمْ أَمْسِ؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ فَتَصُومُونَ غَدًا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ فَأَفْطِرُوا. قَالَ فَأَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ فَلَمّا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ دَعَا بِإِنَاءِ مَاءٍ فَشَرِبَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ يُرِيهِمْ أَنّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَة وَفِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إلّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَطَوّعًا مِنْ الشّهْرِ أَيّامًا فَلْيَكُنْ فِي صَوْمِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَلَا يَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنّهُ يَوْمُ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَذَكَرَ فَيَجْمَعُ اللّهُ لَهُ يَوْمَيْنِ صَالِحَيْنِ يَوْمَ صِيَامِهِ وَيَوْمَ نُسُكِهِ مَعَ الْمُسْلِمِين.

.عِلّةُ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ:

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ إنّهُمْ كَرِهُوا صَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَقْوَوْا عَلَى الصّلَاةِ. قُلْتُ الْمَأْخَذُ فِي كَرَاهَتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ هَذَا أَحَدُهَا وَلَكِنْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ زَوَالُ الْكَرَاهِيَةِ بِضَمّ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَيْهِ.
وَالثّانِي: أَنّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَهُوَ الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا التّعْلِيلِ إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنّ صَوْمَهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَصَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ حَرَامٌ.
وَالثّانِي: إنّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِعَدَمِ إفْرَادِهِ وَأُجِيبُ عَنْ الْإِشْكَالَيْنِ بِأَنّهُ لَيْسَ عِيدُ الْعَامِ بَلْ عِيدُ الْأُسْبُوعِ وَالتّحْرِيمُ إنّمَا هُوَ لِصَوْمِ عِيدِ الْعَامِ. وَأَمّا إذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ قَدْ صَامَهُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ جُمُعَةً وَعِيدًا فَتَزُولُ الْمَفْسَدَةُ النّاشِئَةُ مِنْ تَخْصِيصِهِ بَلْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي صِيَامِهِ تَبَعًا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنّسَائِيّ وَاَلتّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إنْ صَحّ قَالَ قَلّمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُفْطِرُ يَوْمَ جُمُعَهٍ. فَإِنْ صَحّ هَذَا تَعَيّنَ حَمْلُهُ عَلَى أَنّهُ كَانَ يَدْخُلُ فِي صِيَامِهِ تَبَعًا لَا أَنّهُ كَانَ يُفْرِدُهُ لِصِحّةِ النّهْيِ عَنْهُ. وَأَيْنَ أَحَادِيثُ النّهْيِ الثّابِتَةُ فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْجَوَازِ الّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصّحِيحِ وَقَدْ حَكَمَ التّرْمِذِيّ بِغَرَابَتِهِ فَكَيْفَ تُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ ثُمّ يُقْدِمُ عَلَيْهَا؟ وَالْمَأْخَذُ الثّالِثُ سَدّ الذّرِيعَةِ مِنْ أَنْ يُلْحِقَ بِالدّينِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَيُوجِبَ التّشَبّهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ الْأَيّامِ بِالتّجَرّدِ عَنْ الْأَعْمَالِ الدّنْيَوِيّةِ وَيَنْضَمّ إلَى هَذَا الْمَعْنَى: أَنّ هَذَا الْيَوْمَ لَمّا كَانَ ظَاهِرَ الْفَضْلِ عَلَى الْأَيّامِ كَانَ الدّاعِي إلَى صَوْمِهِ قَوِيّا فَهُوَ فِي مَظِنّةِ تَتَابُعِ النّاسِ فِي صَوْمِهِ وَاحْتِفَالِهِمْ بِهِ مَا لَا يَحْتَفِلُونَ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ وَفِي ذَلِكَ إلْحَاقٌ بِالشّرْعِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى- وَاللّهُ أَعْلَمُ- نُهِيَ عَنْ تَخْصِيصِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ مِنْ بَيْنِ اللّيَالِيِ أَحْمَدَ فَهِيَ فِي مَظِنّةِ تَخْصِيصِهَا بِالْعِبَادَةِ فَحَسَمَ الشّارِعُ الذّرِيعَةَ وَسَدّهَا بِالنّهْيِ عَنْ تَخْصِيصِهَا بِالْقِيَامِ. وَاللّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ مَا تَقُولُونَ فِي تَخْصِيصِ يَوْمٍ غَيْرِهِ بِالصّيَامِ؟ قِيلَ أَمّا تَخْصِيصُ مَا خَصّصَهُ الشّارِعُ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ فَسُنّةٌ وَأَمّا تَخْصِيصُ غَيْرِهِ كَيَوْمِ السّبْتِ وَالثّلَاثَاءِ وَالْأَحَدِ وَالْأَرْبِعَاءِ فَمَكْرُوهٌ. وَمَا كَانَ مِنْهَا أَقْرَبُ إلَى التّشَبّهِ بِالْكُفّارِ لِتَخْصِيصِ أَيّامِ أَعْيَادِهِمْ بِالتّعْظِيمِ وَالصّيَامِ فَأَشَدّ كَرَاهَةً وَأَقْرَبُ إلَى التّحْرِيمِ.
الثّالِثَةُ وَالثّلَاثُونَ إنّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعِ النّاسِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِالْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ وَقَدْ شَرَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِكُلّ أُمّةٍ فِي الْأُسْبُوعِ يَوْمًا يَتَفَرّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِتَذَكّرِ الْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ وَالثّوَابِ وَالْعِقَابِ وَيَتَذَكّرُونَ بِهِ اجْتِمَاعَهُمْ يَوْمَ الْجَمْعِ الْأَكْبَرِ قِيَامًا بَيْنَ يَدَيْ رَبّ الْعَالَمِينَ وَكَانَ أَحَقّ الْأَيّامِ بِهَذَا الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ الْيَوْمَ الّذِي يَجْمَعُ اللّهُ فِيهِ الْخَلَائِقَ وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَادّخَرَهُ اللّهُ لِهَذِهِ الْأُمّةِ لِفَضْلِهَا وَشَرَفِهَا فَشَرَعَ اجْتِمَاعَهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِطَاعَتِهِ وَقَدّرَ اجْتِمَاعَهُمْ فِيهِ مَعَ الْأُمَمِ لِنَيْلِ كَرَامَتِهِ فَهُوَ يَوْمُ الِاجْتِمَاعِ شَرْعًا فِي الدّنْيَا وَقَدَرًا فِي الْآخِرَةِ وَفِي مِقْدَارِ انْتِصَافِهِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ وَالصّلَاةِ يَكُونُ أَهْلُ الْجَنّةِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَهْلُ النّارِ فِي مَنَازِلِهِمْ كَمَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنّهُ قَالَ لَا يَنْتَصِفُ النّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنّةِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَهْلُ النّارِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَقَرَأَ {أَصْحَابُ الْجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الْفُرْقَانُ: 24] وَقَرَأَ ثُمّ إنّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَتِهِ. وَلِهَذَا كَوْنُ الْأَيّامِ سَبْعَةً إنّمَا تَعْرِفُهُ الْأُمَمُ الّتِي لَهَا كِتَابٌ فَأَمّا أُمّةٌ لَا كِتَابَ لَهَا فَلَا تَعْرِفُ ذَلِكَ إلّا مَنْ تَلَقّاهُ مِنْهُمْ عَنْ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنّهُ لَيْسَ هُنَا عَلَامَةٌ حِسّيّةٌ يُعْرَفُ بِهَا كَوْنُ الْأَيّامِ سَبْعَةً بِخِلَافِ الشّهْرِ وَالسّنَةِ وَفُصُولِهَا وَلَمّا خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ.